يتساءل الكثير حول الطريقة التي يحقق بها موقع الفيس بوك كمشروع تجاري أرباحه، التي وصلت العام الماضي إلى مليار دولار وبلغت عوائد الموقع ككل أكثر من 3 مليار دولار. ومع إدراج الشركة في البورصة وانخفضت اسهمها كما شرحنا سابقاً، بدأت تظهر علامات استفهام كبيرة حول القيمة التي نالتها وتجاوزت 100 مليار دولار، ومدى قدرة الشركة على المحافظة مستقبلاً على مستوى جيد من الأرباح يقنع المستثمرين بالدخول إلى الشركة.
سنناقش في هذا المقال مصادر دخل الفيس بوك بشيء من التفصيل ونسلط الضوء على المصدر الأكبر للدخل والأسلوب الذي
تعمل به من أجل تحقيق 1 مليار دولار من 900 مليون مستخدم على الفيس بوك.
آلية عمل الإعلانات
تشير الأرقام الرسمية من الشركة إلى أن 85% من أرباح الفيس بوك تأتي الإعلانات، وبخاصة تلك الإعلانات التي تظهر على الجانب الأيمن أو الأيسر من الملفات الشخصية أو الصفحات.
في الحقيقة يستخدم الفيس بوك المحتوى الذي تقدمه أنت مجاناً من أجل تحقيق مليار دولار أرباح سنوياً، حيث يعمل النظام الذكي في الموقع على تحليل وربط كل محتوى المشاركات التي يرسلها المستخدمين على الموقع من أجل بناء معارف يمكن استخدامها لأغراض إعلانية.
فعندما تضغط زر أعجبني على أي صفحة أو تحديث حالة أو صورة أو مقطع فيديو أو مقطع صوتي، وعندما تدخل إلى صفحات تقرأ محتواها وتغادر بدون ضغط زر أعجبني، وأي حركة تقوم بها في الموقع أو بواسطته، تستخدم من أجل إعطاء معلومات عنك تفيد في توجيه الإعلان إليك كزبون مستهدف targeted customer أو بعدم توجيهه إليك لأنك لست الزبون الذي يجب استهدافه.
يتم جمع كل هذه المعلومات من جميع المستخدمين وفي مختلف المنصات التي يدخلون بها إلى الموقع سواء عبر الكمبيوتر أو الجوال أو الحاسب اللوحي، ويتم تشكيل ما يعرف بالمخطط الاجتماعي social graph لكل مستخدم.
ما هو المخطط الاجتماعي ؟ هو عبارة عن شبكة محورها أنت وتحيط بك كل التفاصيل التي أدخلتها إلى الموقع كمحتوى.. وهكذا عندما يكون لديك 900 مليون مخطط اجتماعي، يبحث النظام عن التشابهات بينها فيمكنه أن يستخلص معلومات عامة يستفيد منها في توجيه الحملات الإعلانية أو بيع هذه المعلومات لجهات وغالباً هي وكالات الإعلان للاستفادة منها في الحملات التي تنوي إطلاقها للشركات.
لنفرض انك تحب أفلام الأكشن، فقمت بعمل إعجاب على صفحة بعض الأفلام المهمة وكذلك على صفحات الممثلين ومشاركة صورهم ومشاهدة مقاطع من الأفلام وأيضاً كتبت في تحديثات الحالة رأيك في فيلم أكشن معين، وأيضا هناك بعض أصدقائك الذين لهم نفس الاهتمام وأنك حدثت حالتك ذات مرة أنك شاهدت فيلم كذا مع الشخص الفلاني، بالإضافة إلى هذه الاهتمامات فإنك تحب أيضا السيارات وبخاصة السريعة والرياضية منها فقمت بعمل إعجاب على بعض الصفحات ومشاركة مقاطع فيديو عن أحدث موديلات السيارات وحتى انك عملت إعجاب على مقالات في مواقع أخرى تتحدث عن آخر إخبار سيارتك المفضلة، وشاركت على صفحتك بعض الأخبار وحتى شاركت صورتك وأنت بجانب سيارتك السريعة.
هل تعلم ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ إنها منجم ذهب تقدمه مجاناً إلى الفيس بوك.
ببساطة يقوم الفيس بوك بجمع وربط هذه البيانات عنك وعن مئات الآلاف وربما الملايين الذين يشبهونك في الاهتمامات والصفات، فتقوم بتوجيه إعلان مستهدف targeted advertisement إليك حول مجلة للسيارات السريعة، أو إعلان عن فيلم أكشن جديد سينطلق في دور السينما. وهذا الإعلان يظهر فقط لمن لديه أدنى اهتمام ولا يظهر للشخص الذي لا يحقق الاستهداف المطلوب.
الفائدة الكبرى من الاستهداف هي أن الشركات لا تنفق أموالها على توجيه الإعلان إلا للشخص المهتم فعلاً والذي صرح عن اهتمامه طواعية من خلال أزرار الإعجاب ومشاركات الصور وتحديثات الحالة وغير ذلك.
وبالطبع يمكنك توسيع هذا المثال على حالات مشابهة كثيرة، فمثلاً لو أن مشفى جديد قد تم افتتاحه في مدينتك ويريد أن يروج لعمليات التوليد، فيقوم بإطلاق حملة إعلانية على الفيس بوك ويحدد معايير الاستهداف الدقيقة جداً، فالمعلن يريد أن يرى الإعلان فقط الإناث المتزوجات والمتعلمات واللواتي لديهن دخل فردي مرتفع ويقطن في المدينة الفلانية وهن الآن في حالة الحمل…
والآن السؤال المهم هو كيف يعرف الفيس بوك من هم الإناث التي تنطبق عليهن هذه الشروط الدقيقة من بين ملايين الإناث على الفيس بوك؟ الجواب هو المحتوى الذي يقدموه على طبق من ذهب، فعندما تضع بياناتك كمكان الإقامة و تاريخ الزواج والمستوى التعليمي ونوع العمل فهذه كلها مؤشرات للاستهداف.
مصادر الدخل الأساسية
في العام 2008 كانت الإعلانات من هذا النوع وما يتعلق بها سواء من بيع المعلومات ” وليس البيانات الشخصية ” وغيرها، كانت تشكل 98% من إجمالي أرباح الشركة.. ولأن هذا الوضع يعد خطيراً على الفيس بوك من حيث اعتماده كلياً على مصدر واحد للربح، بدأ الموقع بتطوير مصادر جديدة للدخل ولو لا تقدم الكثير من المال فوصلت نسبة الإعلانات في الأرباح حوالي 85% لتشكل 15% مصادر دخل أخرى.
1- إعلانات الدفع بالنقرة PPC: وهي نفس الفكرة الموجودة لدى غوغل أد ووردز، حيث يشكل الفيس بوك منصة تجمع المعلنين والناشرين وتقتطع لنفسها نسبة معينة من كل نقرة على الإعلان. وهذه الأكثر شيوعاً.
2- إعلانات الرعاية sponsor: وتلجئ لها الشركات الكبيرة وتطبقها في صفحتها فقط، لنفرض مثلاً أن شركة سيارات ألمانية ستطرح موديل جديد لذوي الدخل المنخفض أي بسعر معقول وكراسي واسعة بالإضافة إلى توفير بالوقود.
فتطرح إعلان رعاية على صفحتها، بحيث يظهر إعلان هذا الموديل الجديد فقط للأشخاص الذين تنطبق عليهم شروط الدخل ويملكون عائلة أي متزوجين ولديهم أطفال بالإضافة إلى تنقلهم بشكل كبير. ويمكن معرفة بعض المعلومات بشكل مباشر في حين الأخرى تحتاج لكثير من الربط المنطقي والذكي.. مثلاً تعرف الفيس بوك انك تتنقل بكثرة عندما تدخل من أجهزة حواسيب من مناطق مختلفة من العالم عن طريق تغير الـ IP، إلا أن احتمال الخطأ دوماً وارد فيمكنك تغيير الـ IP وأنت في بلدك !
وهذه الإعلانات تكون إما بطريقة الدفع بالنقرة PPC أو تكون بقيمة محددة لفترة محددة، مثلا شهرياً بمبلغ كذا أو تكون لعدد الظهور.
3- متجر الهدايا gift shop : فكرة بسيطة وغير مكلفة على الصعيد الفردي إلا أنها تحقق مبالغ جيدة لو طبقها عدد كبير من المستخدمين، فمثلاً ترسل هدية افتراضية ( رقمية ) – وهناك خيار للهدايا الحقيقية داخل أمريكا - إلى صديقك أو زوجتك أو شريكك بالعمل وبمختلف المناسبات لكن هذه الهدية تدفع قيمتها بالنقود، مثلا 1 دولار يعتبر مبلغاً زهيداً لكثير من الناس .. ولو طبقها 1% من مستخدم الفيس بوك في يوم ما لحققت 9 مليون دولار. مبلغ جيد أليس كذلك؟
4- النقود الافتراضية أو نقود الفيس بوك facebook money : وهذه موجهة للمدمنين على الألعاب والذين يصلون إلى مراحل متقدمة جداً، حيث هناك تطبيقات تقدم لك إمكانية الوصول إلى هذه المراحل أو جمع عدد كبير من النقاط أو فتح مراحل جديدة ولكن بالمقابل أن تدفع لها بعملة الفيس بوك facebook credit. وهذه العملة لها قيمة حقيقية تختلف بحسب التطبيق أو اللعبة أو البلد.. فهناك كثير من الأشخاص يدفعون لقاء الوصول للمرحلة الأخيرة من دافع الفضول أو حب الظهور.
إذن كلما كان النظام أذكى وأكثر قدرة على الربط بين الأحداث الاجتماعية وأكثر قدرة على فهم العلاقات الإنسانية، كلما استطاع أن يقدم معلومات ذات قيمة أعلى يمكن الاستفادة منها لنشر إعلانات تحقق أهدافها بدقة أكبر وبالتالي المزيد من ملايين الدولارات كأرباح. حيث لا يبيع الفيس بوك أية بيانات شخصية عن المستخدم لجهة ثالثة إلا أنه يجمع الكثير عنك. ففي تجربة قام بها شاب استرالي سجل عضوية جديدة في الموقع واستخدمه لمدة أسبوع واحد فقط، ثم طلب تحميل نسخة من بياناته من الفيس بوك وتمت طباعتها على 1112 صفحة، فتخيل مع سنين من التواصل ومزيد من التفاعل ماذا استطاع أن يجمع عنك؟
ويستطيع النظام الذكي في الفيس بوك التنبؤ أيضا وربط الأذواق، فمثلاً عندما تسجل دخولك على موقع الموسيقى المفضل لديك عن طريق حسابك بالفيس بوك، وتحمل موسيقى من نمط معين وتحضر قوائم الأغاني لمن تفضلهم كذلك عندما تسمع موسيقى هادئة في آخر الليل وكل التصرفات التي تقوم بها يسجلها الفيس بوك لتوجيه الإعلان المناسب إليك، لاحظ حتى وإن لم تكن فعلياً على الفيس بوك !
ومثلاً لو كتبت تحديث حالة أنك ذهبت مع صديقك فلان للغداء في المطعم الفلاني، فيمكن استخلاص بعض المعلومات المفيدة من هذه الحالة فقط، كنوع الطعام المفضل لديك و وقت الغداء المناسب لك ومستوى الدخل لديك وكذلك تكرارك للغداء خارج المنزل ومطعمك المفضل. فلو أراد مطعم منافس أن يطلق حملة إعلانية فمن المرجح أن تظهر لك لأنك مهتم بالغداء خارج المنزل ويناسبك نوع الطعام البحري وكذلك لا ترغب بالسفر بعيداً من أجل الغداء وغالباً ما تفضل الغداء خارجاً مع الأصدقاء وليس العائلة.
وربما اختارت مجلة التايم شخصية مارك زوكربيرغ على أنه الشخصية الأكثر قوة ونفوذ في العالم وذلك لأنه يسيطر على تفاصيل حياة 900 مليون إنسان وهذه معلومات قد لا يعرفها رؤساء دول !.
أخيراً بلغ صافي دخل الشركة عن الربع الأول من العام الحالي 205 مليون دولار مع ارتفاع في مبيعاتها من الإعلانات خصوصاً بنسبة 45% لتتجاوز 1 مليار دولار، إلا أن هذه النتائج تعد متراجعة مقارنة مع الربع الأخير من العام الماضي. وتتوقع الفيس بوك أن تختم هذا العام بإجمالي عوائد تتجاوز 6 مليار دولار..